vendredi 9 avril 2010
jeudi 1 avril 2010
في ردّ على الكحلاوي على أعمدة "الشروق" : عبد المجيد الصحراوي: الحبيب عاشور زعيم نقابي وطني
إن المرحوم الحبيب عاشور قد عمر طويلا في رحاب العمل النقابي والنضال الوطني انطلاقا من انخراطه مبكرا في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 وقيادته لأول إضراب عام في تاريخ المنظمة سنة 1947. وهو الإضراب الذي شرعن العمل النقابي وكرّس الاتحاد طرفا اجتماعيا في البلاد.
وقد عاش المرحوم الحبيب عاشور مناضلا قياديا صلبا وفيا لمبادئ الاتحاد وقيمه حتى وفاته لذلك ظل محترما ومبجلا طوال حياته وبعد مماته من قبل الجميع وعلى مختلف الأصعدة الوطنية والعربية والدولية.
فقد عانى المناضل الكبير الحبيب عاشور ويلات السجون والمنافي في معركة التحرر الوطني وأسهم بفاعلية كبيرة وحسّ وطني غيور في بناء الدولة الحديثة وإرساء مجتمع حداثي ودفع ثمن نضاله من أجل تكريس استقلالية المنظمة عن التجاذبات الحزبية والفئوية السجن ثانية والاعتقالات والحصار خلال كل الأزمات التي عاشها الاتحاد في علاقته بالسلطة وأبرزها أزمة 65 حين رفض مقررات مؤتمر المصير ببنزت سنة 64 وعارض تحويل الاتحاد العام التونسي للشغل إلى خلية من خلايا الحزب الحاكم فكان له السجن مرة أخرى وكذلك في أزمة 26 جانفي 1978 وأزمة 1985 وقد ظل دائما شامخا وهو الأسد العجوز كما شبهته الصحافة الدولية في ذلك الزمان أو طائر الفينيق ينهض في كل مرة قويا ومناضلا. كما لا يفوتنا دفاعا عن التاريخ وحماية للذاكرة أن نقرّ للرجل وقوفه المبدئي والثابت لنصرة قضايانا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية حيث نجح في فرض هويتها باعتبارها قضية عادلة في المنابر الدولية خاصة منظمة العمل الدولية التي كانت تحظر ذكر القضية الفلسطينية إلى جانب مناصرته لكل قضايا التحررّ في العالم وخاصة في إفريقيا.
إن هذا غيظ من فيض يحسب للرجل وحتى نقارب تجربته النضالية الكبيرة ونفيه بعض حقه في ظلّ الصمت المريب وتسفيها للمشككين. ويكفيه شهادة فرحات حشاد شهيد الحركة النقابية سنة 1948 في افتتاحية صحيفة صوت العمال لسان الاتحاد في الذكرى الأولى لحوادث 5 أوت 1947 : " وما الأخ الحبيب عاشور ورفاقه إلا جنودا اقسموا على أنفسهم وعاهدوا الله على متابعة الكفاح في سبيل نهضة طبقتنا العاملة، وما النكبة التي سلطت عليهم إلا مرحلة من مراحل جهادهم الصادق الشريف... ولقد أظهر الأخ الحبيب عاشور في دفاعه شجاعة وإقداما مما أذهل الخصوم وجعل لسان الاتهام محتارا لدرجة استحال معها تكذيب الحقائق الدامغة ".
عبد المجيد الصحراوي
الأمين العام المساعد للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي
vendredi 5 mars 2010
الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي
الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، حول راود النقابيين بالأقطار المغاربية طيلة أربعة عقود، ولم يتحقق إلا منذ 18 سنة، وتحديدا يوم 7 ديسمبر 1989.
لم يأت الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي نتيجة قرارات فوقية مسقطة، وإنما نبع من تراث نضالي مشترك خاضته القوى العمالية المغاربية.
· المحطات التاريخية قبل التأسيس: البداية كانت بلا شك دعوة حشاد المبكرة لتأسيس كنفدرالية عمالية مغاربية توحد عمال أقطار المغرب العربي ضد الاستعمار من جهة وتوجه النضالات الوطنية من جهة أخرى في الاتجاه الذي يخدم المصالح الوطني بما فيها مصالح الشغالين.
وإثر إغتيال حشاد يوم 5 ديسمبر 1952 شهدت الدار البيضاء موجة احتجاج عارمة سقط خلالها عديد الشهداء من الطبقة الشغيلة بالمغرب الشقيق، وكانت بدايات انصهار النضالات النقابية ضمن المسار النقابي الوحدوي.
* المحطة الثانية تمثلت في لقاء طنجة حيث اجتماع قادة المنظمات النقابية المغاربية أيام 20-21 و 22 أكتوبر في اتجاه ترسيخ المسار النقابي المغاربي الوحدوي وضبط خطة مشتركة لتصفية مخلفات الاستعمار. وحضر ذلك اللقاء نقابيون من تونس والجزائر والمغرب وليبيا. وتمّت صياغة وثيقة حول تلك الاجتماعات التاريخية بتاريخ 23 أكتوبر 1957.
* المحطة الموالية كانت تلك التحركات النقابية المغاربية المكثفة بمناسبة المؤتمر النقابي الإفريقي بمشاركة الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للعمال الجزائريين والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد عمال ليبيا وذلك احتجاجا على عملية اختطاف زعماء جبهة التحرير الجزائرية في طريق عودتهم إلى تونس (مقر الحكومة الثورية الجزائرية المؤقتة) على متن طائرة مغربية.
* ثم كان تشكيل لجنة اتصال مغربي على إثر اجتماعات 6 أوت 1961 بمدينة صفاقس بالجمهورية التونسية بين قادة المنظمات النقابية المغاربية، وتشكلت لجنة الاتصال من الأخوة المحجوب بن الصديق والهاشمي .... (المغرب) وعبد القادر.... ومحمد سناف (الجزائر) وأحمد التليلي والحبيب عاشور (تونس) وذلك لمواصلة الكفاح من اجل تحرير كامل تراب المغرب العربي وإجلاء القواعد العسكرية وتصليب عود الحركة النقابية المناضلة.
* ثم كانت اجتماعات يومي 28 و 29 جويلية 1969 في ضيافة الاتحاد العام التونسي للشغل وبمشاركة المنظمات النقابية في كل من المغرب وليبيا والجزائر وذلك لضبط خطة مشتركة تشييدا لصرح المغرب العربي وتم الاتفاق على جدول أعمال وروزنامة اجتماعات دورية تعقد في شهر جويلية من كل سنة تباعا في أحد الأقطار المغاربية.
* ثم كانت اجتماعات يومي 27 و 28 فيفري 1975 بالدار البيضاء بمشاركة الأخوة الحبيب عاشور (تونس) وعبد القادر بنيقوس (الجزائر) والمحجوب بن الصديق (المغرب) والشيخ ماء العينين (موريتانيا) علما بأن اتحاد عمال موريتانيا حضر لأول مرة مثل تلك اللقاءات المغاربية.
وتم في تلك الاجتماعات تقييم حصيلة نشاطات لجنة التنسيق النقابي منذ تكوينها بطنجة سنة 1957 وتم الاتفاق على إعادة تنشيطها مع تأكيد توسيع مجالات ترك القوى النقابية بالمنطقة إلى الحياة السياسية والتنموية اقتصاديا واجتماعيا وتنظيم ندوتين الأولى بالجزائر والثانية بتونس.
* ثم كان لقاء الجزائر يوم 1 و 2 سبتمبر وقد جمع المنظمات النقابية بكل من تونس والمغرب وموريتانيا والجزائر.
* واحتضنت مدينة صفاقس يوم 4 أوت 1977 اجتماع لجنة التنسيق النقابي المغاربي بحضور الأمناء العامين لاتحاد العمال الموريتانيين (الشيخ ماء العينين ومحمد عبد الرحيم ولد الحنشي) والاتحاد المغربي للشغل (المحجوب بن الصديق وحسن البزوي) والاتحاد العام للعمال الجزائريين (عبد القادر بنيقوس ولحسن بن عيسى) والاتحاد العام التونسي للشغل (الحبيب عاشور والصادق بسباس) والاتحاد العام لعمال الجماهيرية (حميد أبو بكر جلود وعبد الله محمد البصال).
* ثم كان لقاء أميلكار بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية بحضور ممثلين عن كل الاتحادات النقابية وذلك يومي 5 و 6 سبتمبر 1982.
* واجتمعت اللجنة النقابية لبلدان المغرب العربي بعد ذلك في الثاني عشر من ماي 1984 بدار الشعب ساحة غرة ماي بالجزائر.
* ثم كان لقاء يومي 28 و 29 أوت 1989 بتونس بحضور ممثلين عن المنظمات النقابية بكل من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وتم على إثر ذلك الإعلان عن ميلاد اتحاد نقابي يضم الاتحادات النقابية للشغالين وقد تعذر أنذاك على الوفد الموريتاني الحضور.
وتم تكوين لجنة تحضيرية تضم مثلا عن اتحاد قطري لإعداد مشروع قانون أساسي ونظام داخلي ومشروع بيان يحدد توجّهات الاتحاد وتعرض جميعها على المؤتمر التأسيسي.
* وانعقد المؤتمر التأسيسي بالدار البيضاء وذلك يوم 6 و 7 ديسمبر 1989، وذلك التاريخ بالذات له مغزى تاريخي هام فهو يصادف إحياء الطبقة العاملة بالمغرب العربي ذكرى استشهاد فرحات حشاد أكبر دعاة الوحدة النقابية المغاربية.
بن يحيى... البكوش... مواعدة والصحراوي يتحدثون لـ«الصباح» عن حلم المغرب العربي
وكان اتحاد المغرب العربي، الذي حمل في وقت ما حلم توحيد الشعوب المغاربية, تأسس في 17 فيفري 1989 بمدينة مراكش المغربية في قمة تاريخية جمعت زعماء الدول الخمس الرئيس زين العابدين بن علي والعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني والليبي معمر القذافي والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
وكانت انطلاقة اتحاد المغرب العربي تبشر حسبما أعلن بتوحيد بلدان المنطقة ، وفتح الحدود أمام تنقل الأشخاص والبضائع، ورفع جميع الحواجز القمرقية والإدارية... لكن الحلم سرعان ما تبخر ليدخل الاتحاد في سبات عميق طال أكثر من اللزوم وعصف بأحلام الشراكة والعمل المشترك والتكتل والاندماج...
وطيلة أكثر من عقدين من الزمن، ظل الاتحاد المغاربي يتأرجح بين رغبة الشعوب في تفعيل هياكل الاتحاد وتجاذبات القادة السياسية التي تدفع إلى الوراء وهو ما يفسر عدم المصادقة سوى على 6 اتفاقيات فقط من بين 37 مشروع اتفاقية. وظلت مجموعة من الاتفاقيات الموقّعة المتعلقة بإقامة سوق زراعية موحدة والتنقل ببطاقة الهوية بين البلدان الأعضاء وإزالة الحواجز القمرقية مجرد حبر على ورق لم تعرف طريقها إلى التفعيل الحقيقي.
وكانت العلاقات الجزائرية-المغربية وخاصة أزمة سنة 1994 التي أعلن فيها عن إغلاق الحدود بين البلدين على إثر حادثة ما سمي بـ «فندق أطلس إيسني» الشهيرة التي اعتقل خلالها جزائريون بالفندق الواقع بمدينة مراكش اتهموا بإطلاق النار داخله. لتكون مدينة مراكش صدفة شاهدة على ميلاد اتحاد المغرب العربي وشاهدة كذلك على دخوله «غرفة الإنعاش.»
ولا يخفى كذلك أن مشكل الصحراء عمّق بدوره الخلافات السياسية بين المغرب والجزائر ليظل حجر عثرة أمام محاولات فك الجمود على هذا الهيكل.
كما ظلت مواقف الطرف الليبي الذي ما انفك يدعو من أجل وحدة وتكتل عربي وكذلك إفريقي محل استغراب جراء بعض المواقف المنفردة التي تتخذ من حين لآخر ومنها خاصة فرض قيود على حركة تنقل المغاربيين نحو التراب الليبي.
وكانت عديد الدراسات السياسية والاقتصادية العربية والدولية أشارت بوضوح إلى كلفة «اللامغرب» من ذلك الدراسة التي نشرها معهد استراتيجي إسباني والتي خلصت إلى أن تعطيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي يكلف أعضاءه حوالي 3.6 مليار دولار، كما أنه يتسبب في تعثر التنمية البشرية لدوله. فيما قدر العديد من الخبراء الاقتصاديين أن دول المغرب العربي بعجزها عن تحقيق التكامل الاقتصادي، فوتت على نفسها خلال العقدين الماضيين فرص توفير أكثر من تسعة ملايين منصب شغل إضافي وحوالي 720 مليار دولار في مداخيلها.
وأشار أحد تقارير صندوق النقد الدولي كذلك إلى أن جمود معاهدة اتحاد المغرب العربي يكلف دول المنطقة خسارة قدرت في حدود 16 مليار دولار سنويا، مضيفا أن هذه الخسارة تنعكس على اقتصاديات المغرب والجزائر بالخصوص. مشددا على أن غياب التنسيق والاندماج الاقتصاديين واستمرار الحواجز القمرقية بين دول المغرب العربي يشكلان إهدارا لفرص قوية للاستثمار الدولي.
هذا الواقع، وهذه الآفاق المسدودة، جعلت البعض يفكر في إيجاد صيغ جديدة لتفعيل التكتل والاندماج بين دول المنطقة. من ذلك إعلان وزير خارجية الجزائر عن مبادرة الهدف منها تحويل اتحاد المغرب العربي الى مجموعة اقتصادية فاعلة وناجعة.. عوض هيكل سياسي قضت عليه الخلافات السياسية ووأدته قبل أن يشهد ولادته الحقيقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهادي البكوش:مغرب متحديبقى ضرورة حياتية لشعوبنا
كان بعث اتحاد المغرب العربي بمراكش حدثا كبيرا في تاريخ بلادنا وفي بلدان المنطقة، تغلب به رؤساؤنا على الخلافات وترفعوا عن حزازات وتجاوزوا الملابسات. ولكن مع الأسف تعثر هذا الاتحاد بعد بدايات واعدة. وهو اليوم متوقف أو شبه متوقف. وبالرغم عن ذلك فان مغربا متحدا يبقى ضرورة حياتية لشعوبنا للحفاظ على استقلالها ودعم مناعتها وضمان تنميتها.
وقال: «لا مستقبل لنا بدون مغرب متحد فهو الكفيل وحده بتحقيق ما يلزمنا من تمويلات خارجية وما نحتاجه من مشاريع صناعية كبرى وما يجب علينا من توفير شغل لأصحاب الشهادات ولا يكون ذلك إلا بزيادة في نسق التنمية»
وختم «ان السعي لبناء مغرب متحد هو خيار استراتيجي لتونس أكده وما فتئ يؤكده منذ السابع من نوفمبر ويعمل له الرئيس زين العابدين بن علي».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحبيب بن يحيى:التكتل المغاربي وحده أساس الأمن والاستقرار بالمنطقة
كان لـ«الصباح» منذ أيام لقاء مع السيد الحبيب بن يحيى الأمين العام لاتحاد المغرب العربي على هامش الندوة الدولية حول «الشباب والمستقبل: تحديات الواقع تعزيز القدرات وآليات المشاركة» التي احتضنتها تونس، أكد خلاله أن جميع الأطراف متمسكة بمغرب عربي موحد وأن الشراكة المغاربية والتكتل والاندماج هي من مصلحة كافة الشعوب ودول المغرب العربي وأساس الأمن والاستقرار بالمنطقة. وأكد أن التكامل المغاربي ضرورة ملحة لخدمة المصالح المشتركة ومجابهة الأزمات الدولية الحادة. وقال إن المقررات الأخيرة التي خرج بها اجتماع طرابلس، لوزراء خارجية الاتحاد المغاربي ، تشكل خارطة طريق 2010 التي تتضمن في برنامجها اجتماعات عديدة، على مستوى اللجان الوزارية المتخصصة في المال والأمن الغذائي، وعلى مستوى المنظمات المعنية بتطوير مجالات من قبيل الزراعة والنقل. وأكد ان هياكل الاتحاد تعمل رغم بعض الصعوبات وقدمت الكثير في قطاعات هامة كالصحة والنقل والأمن الغذائي ومقاومة التصحر والشباب. وأضاف بن يحيى أن سنة 2010 ستكون هامة في مجال العمل المغاربي المشترك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد مواعدة:خلل هيكلي وشلل عضوي يضرب المغرب العربي في الصميم
«تمر ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي هذه المرة لا نقول مثل سابقاتها ونعني ما يعانيه الاتحاد من خلل هيكلي وشلل عضوي يضربه في الصميم وإنما هنالك مزيدا من التدهور مقارنة بالذكرى الأخيرة. والجديد هو الاقتراح الجزائري الأخير القاضي بتحويل الاتحاد إلى مجموعة اقتصادية لما لذلك من فائدة وبراغماتية» حسب تصريح وزير الخارجية الجزائري. ذلك أن الاتحاد بمضمونه السياسي أصبح شعارا مجردا من أية فائدة. وهذا يعني العودة إلى النقطة الصفر... أي مرحلة اللجنة الاستشارية.
وأضاف مواعدة «أن المثير للاستغراب عبارة «كلفة اللامغرب» التي يرددها الجميع ويدرك خطورتها الجميع.. هذه الكلفة التي لا تخفى أضرارها على بلدان المغرب العربي مجتمعة ومنفردة وفي مرحلة يشهد فيها العالم تكوين تجمعات إقليمية، لم يستطع المغرب العربي التغلب على العقبات الموجودة». وقال: «نغتنم هذه المناسبة للتأكيد على أن جميع الأطراف المغاربية وهذا ما أعرفه شخصيا عن قياداتها تشهد بدور تونس ورئيسها زين العابدين بن علي في بذل الجهد الجهيد لتجاوز هذه العقبات. لكن يبدو أن الخلافات وخاصة بين الجزائر والمغرب على درجة كبيرة من العمق والتعقيد مما يجعلها تواجه جميع المساعي التوحيدية التي تتلاءم ومسارها التاريخي ومطامح شعوبنا المشروعة. فهل نقبل بهذا الواقع المعقد؟ لا نعتقد ذلك، فلا بد من مواصلة النضال في مختلف المجالات حتى نجعل من ذكرى التأسيس القادمة أفضل وأكثر اقترابا من الأمل».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد المجيد الصحراوي الأمين العام المساعد للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي المكلف بالإعلام:تفعيل الهياكل وتجسيم الاتفاقيات
يصادف اليوم السابع عشر من فيفري الإعلان منذ إحدى وعشرين سنة عن ميلاد اتحاد المغرب العربي. وتتجدّد في مثل هذه المناسبة ما تحمله هذه الذكرى من معان تاريخية وتطلعات مشتركة بين أبناء المنطقة منذ لقاءات طنجة سنة 1958 من أجل توحيد المغرب العربي الكبير.
بهذه المناسبة يجدّد الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي تمسكّه بالأهداف التي نصّ عليها إعلان مراكش في السابع عشر من فيفري 1989 ويؤكد انخراط الطبقة العاملة المغاربية ومنظمتها النقابية الموحّدة التي تأسّست في نفس السنة التي تأسّس فيها اتحاد المغرب العربي. ومنذ إحدى وعشرين سنة والاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي يناضل من أجل تفعيل شعار البناء المغاربي المشترك وخاصة إقامة منطقة مغاربية للتبادل الحر ودعم القوة التفاوضية للمنطقة المغاربية إزاء الاتحاد الأوروبي وسائر التجمعات الإقليمية وتوحيد السياسات التنموية والتشريعية الاجتماعية.
النكسـة
بعد النكسة التي شهدها العمل المغاربي المشترك منذ أواسط التسعينات، فأنه لا مناص من أن نحمّل الحكومات المغاربية مسؤولية ذلك، بسبب مواقف الإنكفاء عن الذات والحلول القطرية الضيقة في زمن العولمة وهو ما يحتّم الإسراع بتخطّي كل العقبات من أجل اتحاد مغاربي فاعل وقادر على تلبية حاجيات شعوبنا في التقدم والرفاه والتعامل بندية مع الكيانات الاقتصادية الكبرى وتعبئة الإمكانيات لدفع نسق التنمية الاقتصادية والبشرية. ولا بد من الإشارة هنا إلى النداءات التي توجه بها الأمين العام للاتحاد النقابي إلى قادة المنطقة من أجل تفعيل هياكل الاتحاد المغاربية خاصة على مستوى الرئاسة.
تنقية الأجواء
ولا بدّ من ضرورة تنقية الأجواء المغاربية وتغليب عوامل الوحدة على عوامل الاختلاف والانصراف لتكريس المشروع المغاربي بمنأى عن الخلافات السياسية، ولا بد ثانيا من الإسراع بتنشيط مؤسسات اتحاد دول المغرب العربي وتفعيل اللجان القطاعية المشتركة وتحيين الاتفاقيات المغاربية وتطبيقها.
مجلس اقتصادي واجتماعي مغاربي
ولإعطاء مضمون اقتصادي واجتماعي ملموس للبناء المغاربي المشترك فإنه من الضروري الانطلاق من خيارات اجتماعية تحدّ من تأثيرات النموذج الليبرالي المجحف وحماية الاقتصاديات المغاربية من تأثيرات العولمة ومخاطر الاندماج المتسرّع في منطقة التبادل الحر الأورومتوسطيّة ومن الضروري أيضا تشريك كافة الأطراف الاجتماعيين والمنظمات الشعبية والمدنية في تجسيم الكيان المغاربي مع التأكيد على ضرورة إحداث مجلس اقتصادي واجتماعي مغاربي يكون إطارا لمناقشة مقتضيات الاندماج وتوحيد تشريعات العمال والأنظمة الاجتماعية وإرساء حوار اجتماعي مغاربي.
جسور التواصل
وعلى عكس ما هو شائع، فإنّ جسور التواصل لم تنقطع يوما بين أبناء الأقطار الخمسة، والدليل أنّ القيادات والمناضلين النقابيين في كل من الجزائر والمغرب مثلا يلتقون جنبا إلى جانب في مختلف الأنشطة التي يحتضنها الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي وبالتالي فإن أسباب التعثّر لا تعود إلى انقطاع جسور التواصل وإنما إلى غياب الإرادة السياسية الثابتة.
وعلى مستوى الاتحاد النقابي فقد أمكن بفضل إرادة النقابيين نحت كيان نقابي مغاربي متماسك مهيكل لم ينفك يسعى ويجتهد من أجل تحريك السواكن والتقدم بالمسيرة المغاربية المشتركة.
سـفـيـان رجـب
عبد المجيد الصحراوي يروي شهادته على الأحداث
في هذا الإطار لعب عمال الشركة التونسية لصنع السيارات "ستيا" التي كنت أنتمي إليها شانها شأن عمال عديد المؤسسات والقطاعات الأخرى كالتعليم الثانوي والأساسي والمعادن والنسيج دورا أساسيا في تفعيل العمل النقابي بجهة سوسة وفي دفع بقية القطاعات للمساهمة في النضالات النقابية التي خاضها الاتحاد في جميع أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد لا زلت أتذكر تلك الأحداث الدامية التي جدّت أوائل اكتوبر 77 بمدينة قصر هلال والتي انطلقت من مؤسسة SOGITEX للنسيج حيث توقف العمال احتجاجا على سوء التصرف بالمؤسسة الذي اكتسى بعد ذلك طابع الإضراب الشامل وردا على هذه الحركة النضالية التي كان بالإمكان معالجتها بطريقة أخرى هوجم العمال من طرف قوات النظام العام ووقعت اصطدامات عنيفة عمّت كافة المدينة ونتيجة لذلك نشأت الحركة التضامنية في عديد المؤسسات المجاورة في صيادة وبوحجر والمكنين وغيرها مما أدى إلى تدخّل الجيش واعتقال العديد من النقابيين والعمال.وفي نوفمبر 1977 اجتمعت الهيئة الإدارية الموسعة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وقررت الإضراب العام كامل يوم 9 نوفمبر احتجاجا على التهديدات بالقتل الموجهة ضد الأخ الحبيب عاشور وضد عدد من النقابيين في الجهة.وقد انطلقت واقعة التهديد بالاغتيال بالمقهى العتيق بنزل القصر بسوسة مما خلّف ردود فعل كبيرة بإعلان عديد الإضرابات الاحتجاجية المماثلة في عديد القطاعات والجهات وقد سارعت السلط إلى تطويق الحادثة بالقبض على مطلق التهديد وإحالته على المحكمة حيث نال عبد اللّه المبروك الورداني المتهم بالتهديد بالاغتيال 4 أشهرا ونصف سجنا.من جهة أخرى تمت العديد من الإيقافات في صفوف العمال بتهمة إحداث أضرار بالممتلكات أثناء المظاهرة التي انتهت بمحاكمة العديد منهم في 21 جوان 1978. وفي 18 نوفمبر 1977 انعقدت الهيئة الإدارية الوطنية وأصدرت نداء إلى السلط العليا بالبلاد وخاصة إلى رئيس الدولة من أجل تدارك الوضع قبل فوات الأوان وقد قررت الهيئة الإدارية دعوة المجلس الوطني للانعقاد وإلى اتخاذ قرارات حاسمة إن لم تقع الاستجابة إلى نداء الاتحاد المتعلق بإخراج البلاد من الأزمة بصورة سلمية.لكن للأسف ما من أحد استمع إلى نداء الهيئة الإدارية، بل كان رجالات السلطة منشغلين بقضية أخرى يتنازعون عليها فيما بينهم وهي قضية الخلافة وتسبب الموقف من الأزمة في شرخ داخل السلطة الحاكمة فانقسمت إلى نصفين حول التمشي الأنجع لمعالجة الأوضاع، وتفجرت الخلافات بصورة شبه علنية منذ ديسمبر 1977 عندما تم إعفاء الطاهر بلخوجة من مهامه كوزير للداخلية في 23 ديسمبر وبصورة غير مألوفة حيث كان خارج تونس، وتم تنصيب عبد الله فرحات كبديل له واستقال ستة وزراء دفعة واحدة من حكومة الهادي نويرة (عبد العزيز الأصرم من وزارة الاقتصاد، الحبيب الشطي من وزارة الخارجية، ومنصف بلحاج عمر من الكتابة العامة للحكومة، ومحمد الناصر من الشؤون الاجتماعية والمنجي الكعلي من وزارة الصحة، وأحمد بنور من منصب كاتب دولة.وفي 8 و 9 و 10 جانفي انعقد المجلس القومي للاتحاد في نزل أميلكار برئاسة الحبيب عاشور.وأشار في لائحته العامة إلى "المناورات المتكررة الفاشلة ضد الاتحاد منذ سنوات قصد تقسيم الطبقة الشغيلة وعزلها عن قيادتها الشرعية، والنزعة الواضحة نحو العنف والإرهاب والدعوة إليه وإدخالها حيز التنفيذ في الأشهر الأخيرة، والتهجم المتواصل بالتلميح والتصريح على الاتحاد والمسؤولين النقابيين في الصحافة الحزبية ووسائل الإعلام الرسمية وتصريحات بعض المسؤولين في الحزب والحكومة وترويج الأخبار الزائفة لتسميم الجو ومغالطة الرأي العام خصوصا بعد خنق الإعلام النقابي عن طريق الأجهزة الإعلامية العمومية، وتعدد أعمال الاستفزاز الرامية إلى تشويه النضال النقابي والإضرابات وإظهارها للرأي العام في مظهر الاضطرابات الفوضوية لبثّ الشكّ والبلبلة في النفوس وافتعال الأزمات وتسييس المطالب النقابية واتهام الاتحاد بالعمل على افتكاك الحكم" "واحتضان النقابات الانفصالية والتشجيع على الانسلاخ من الاتحاد ومضايقة العمل النقابي بجميع الوسائل" و" اجتناب الحوار الجدي الصريح مما أدى أحيانا كثيرة إلى غلق باب الحوار الإيجابي من ذلك عدم الاستجابة إلى طلب الاتحاد بتكوين لجنة مشتركة للبحث في أحداث قصر هلال، ومن ذلك الضغط على مديري المؤسسات لرفض التفاوض مع النقابات في شأن الأجور" و" كثرة المماطلات المزعزعة للثقة في جدوى الحوار والرامية إلى إفقاد العمال ثقتهم في الاتحاد ودفعهم إلى الإضرابات".واعتبر المجلس القومي في لائحته العامة أنّ " مثل هذه التصرفات التي تتحمل مسؤوليتها المباشرة إدارة الحزب بالخصوص هي التي كانت سببا في فشل جميع محاولات تنشيط الحوار" وأنه "اعتبارا لكل ما تقدم" واقتناعا عميقا من الاتحاد بصحة تقييمه وسلامة موقفه فإن المجلس القومي مع تمسكه بحرية الأفكار والانتماء، يعتبر أنه أصبح من الصعب في الظروف الراهنة التوفيق بين المسؤولية النقابية والمسؤولية الحزبية بدون تناقض ومس بمبادئ الاتحاد ومصلحة الشغالين".وفي يوم 10 جانفي استقال الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب الحاكم وعقد ندوة صحفية أعلن فيها "أن وجوده في الحزب والاتحاد كان متناقضا مع مسؤولياته النقابية".ثم توالت الأحداث متسارعة والأجواء متوترة وتولى محمد الصياح مدير الحزب توسيع وتطوير دور الميليشيا لتصبح قوة موازية لقوات الأمن مما تسبب في ارتفاع وتيرة العنف والملاحقات والمضايقات على المواطنين وخاصة منهم النقابيين إلى أن كان يوم 20 جانفي 1978 ذكرى تأسيس الاتحاد التي تميزت بتجمعات عمالية في مختلف دور الاتحادات الجهوية من ذلك الاجتماع العام الحاشد الذي انعقد بمقر الاتحاد الجهوي بسوسة بإشراف الأخ خير الدين الصالحي عضو المكتب التنفيذي وافتتحه الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الأخ الحبيب بن عاشور بحضور العديد من الإطارات النقابية المناضلة منهم على سبيل الذكر لا الحصر الأخوة علي بن صالح ومحسن الشاوش وعلى المحضي والمنصف قمر وحافظ قمعون ومنيرة جمال الدين ومحسن سهل والهادي عوف الذي تعرض لمحاولة اغتيال من طرف مليشيا الحزب الحاكم وقبل انعقاد الاجتماع تعرض مقر الاتحاد الجهوي بسوسة في ذلك اليوم إلى هجوم عنيف من طرف عناصر الميليشيا المسلحة التابعة للحزب الحاكم آنذاك والتي أحدثت أضرارا بالمقر وبعديد المناضلين أذكر من بينهم النقابي بلقاسم بالحاج أحمد وسالم بوفريخة اللذين تعرضا لأضرار بدنية كبيرة وتتالت الهجومات المماثلة على مقرات الاتحاد بتوزر وتونس والقيروان وزغوان على مرأى ومسمع من أعوان الأمن بل بتشجيع وحماية منهم.كان الهجوم على دار الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة منظما قادته عصابة معروفة. فانهالوا على دار الاتحاد بالعصي والقضبان الحديدية فحطموا الواجهات البلورية ومحتويات الاتحاد وأصواتهم تتعالى بالشتائم ثم انقضوا على المعتصمين لكما وضربا وجرحا.في الأثناء قدم المدعوان الحبيب منصور وصالح الفريقي -وكانا قد استقالا من الاتحاد في وقت سابق- ودخلا القاعة تحيط بهما عناصر من المرتزقة رفعت أحدهما على الأعناق وهم يهتفون بكل هستيرية بحياة الحزب وبورقيبة ونويرة، وكانت المسدسات تتدلى من أحزمة بعضهم فضلا عمّا كان في حوزتهم من قضبان وعصي لترهيب الحاضرين وإجبارهم على إخلاء دار الاتحاد فحصل اشتباك في مدخل الاتحاد نتجت عنه كسور خطيرة أصابت النقابي بلقاسم بلحاج أحمد. وكان موقف الشرطة موقف المتفرج بل وعملت على منع الكثير من النقابيين من دخول دار الاتحاد وأقامت حواجز حولها وسد المنافذ المأدية إليها.ورغم محاولات إحباط اجتماع إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد حيث تجمّع النقابيون وعقدوا اجتماعهم بإشراف الأخ خير الدين الصالحي وأبرقوا في نهايته للأخ الأمين العام مستنكرين ما جرى ومطالبين بشن إضراب عام. وتواصل الاجتماع إلى حدود الساعة الثامنة والنصف مساء ورابطت الإطارات النقابية في دار الاتحاد ولم تغادرها إلا عند الصباح إذ قامت بحماية مقر الاتحاد وحراسته ليلا.إنّ ما حصل من اعتداءات يوم 20 جانفي بسوسة في ذكرى التأسيس أدى بنا إلى مواصلة المرابطة ليلا نهارا لحماية أنفسنا من عناصر الميليشيا لأننا أصبحنا مهددين في حياتنا وأذكر أن بعض هؤلاء قصدوا منازلنا للبحث عنا وهم مدججون بالسلاح.لقد بقينا مرابطين وعددنا يزيد عن المائتين في ظروف صعبة حتى الساعة منتصف الليل من يوم الخميس 26 جانفي في مقر الاتحاد الذي كان محاصرا من طرف رجال الأمن والجيش بآلياتهم الثقيلة ثم تمت مخاطبتنا بواسطة مضخم الصوت ومطالبتنا بالاستسلام. وقد اقتيد النقابيون رافعين أيديهم تحت السلاح إلى مقرات البوليس التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مقر الاتحاد الجهوي وكانوا يركلونهم ويضربونهم حتى وصولهم إلى تلك المخافر.واستنكرت الهيئة الإدارية الوطنية في اجتماعها يوم 22 جانفي 1978 جنوح بعض المسؤولين إلى لغة العنف والمغالطة وغلق كل باب الحوار بدل الاستجابة لطلب الاتحاد المتكرر بفتح حوار علني نزيه قصد إيجاد الحلول الإيجابية للخروج من الأزمة الخطيرة حفظا لمكاسب الشعب وخدمة لمصلحة الوطن وذلك على أساس مقررات المجلس القومي والمؤتمر الرابع عشر للاتحاد.وقرر المكتب التنفيذي في اجتماعه صباح 24 جانفي شن إضراب إنذاري لمدة 24 ساعة بكامل أنحاء الجمهورية وذلك كامل يوم الخميس 26 جانفي. وأعلن عن ذلك الأخ الحبيب عاشور أثناء اجتماعه بالكتاب العامين للجامعات والنقابات العامة موضحا أن هذا الإضراب تقرّر نتيجة تعنّت الطرف المقابل والاستفزازات والاعتداءات المتكررة على دور الاتحاد في عدة مناطق من الجهورية آخرها الاعتداء السافر على مقرّ الاتحاد الجهوي بالقيروان الذي حطّم المهاجمون المأجورون كل ما به كما تقرّر الإضراب العام نتيجة لما تضمّنته اللائحة الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب من خرق فظيع للحريات عموما وخاصة للحريات النقابية.وفي مساء الإربعاء 25 جانفي، وليلة شن الإضراب العام عقد أوتو كريستن الأمين العام للجامعة الدولية للنقابات الحرة (السيزل) ندوة صحفية في مقر الاتحاد ببطحاء محمد علي رفقة الأخ الحبيب عاشور أكد خلالها مساندة السيزل للاتحاد العام التونسي للشغل في كامل مواقفه النقابية والاجتماعية.وكما يعلم الجميع، فلقد جوبه الإضراب العام بالقمع والاعتقالات وسفك الدماء باستعمال كل الوسائل وتدخل الجيش وأعلنت حالة الطوارئ. وقد خلفت هذه الأحداث عشرات القتلى ومئات الجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والمناضلين النقابيين ومن الشباب العاطل عن العمل المنتمين إلى الأحياء الشعبية المهمشة هذا وقد لعبت عناصر الميليشيا التابعة للحزب الحاكم دورا أساسيا في التخريب والنهب بغية توريط الاتحاد وإطاراته النقابية وتحميلهم مسؤولية الخراب الحاصل.في ذلك اليوم وقبل وقت قصير من إيقاف أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أصدر عدد من هؤلاء بيانا بإمضاء الأمين العام الحبيب عاشور تضمّن توضيحات هامة عن الأحداث وعن الأعمال والتداعيات التي سبقتها وأعدت العدة لها، وقد جاء في هذا البيان بالخصوص:إنّ الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الجماهيرية الحرة إذ تكبر تعاطف كافة الجماهير الشعبية معه يعلن أنه سيواصل النضال من أجل إقرار الحريات العامة والنقابية ومن أجل احترام دستور البلاد وقوانينها والمعاهدات الدولية من اجل احترام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي قيم إنسانية يمثل الاتحاد أول درع لها.كما أنّ الاتحاد يعلن أمام الرأي العام التونسي والعالمي تمسكه بضرورة مواصلة الحوار الذي تتحمل الحكومة مسؤولية انقطاعه وضرورة إحلاله محل العنف والإرهاب حفاظا على مكاسب الشعب ووضعا لمصلحة البلاد فوق كل اعتبار."إن المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل يأسف شديد الأسف بكون رئيس الدولة لا يعرف واقع البلاد فيما يبدو إلا عن طريق وسائل الإعلام الرسمية التي لا تعطيه إلا صورة مزيفة عن واقع الشعب التونسي وحقيقة أوضاع البلاد إذ يأسف كذلك لعدم إبداء رئيس الدولة رغبته في سماع صوت الاتحاد والشغالين مقتصرا على نغمة واحدة غير مطابقة للواقع في حين أنه اتفق مع الأخ الأمين العام الحبيب عاشور على دعوته كلما عنت مشكلة هامة لمعالجتها في الإبان".وفي الختام يشير البيان إلى المسؤولية الكبرى التي يتحملها رئيس الدولة أمام التاريخ ويدعوه أن يعمل على إعادة الحوار مكان العنف والإرهاب وأن يساهم في وضع الشعب التونسي على طريق التقدم والحرية والديمقراطية السياسية والاجتماعية.وانعقد في 25 فيفري 1978 والبلاد في حالة طوارئ مؤتمر صوري وقع خلاله تنصيب قيادة موالية للسلطة السياسية وتحت إشراف الحزب الحاكم وعين التيجاني عبيد أمينا عاما للاتحاد.وتمت مقاطعة هذه الهياكل المنصبة من قبل النقابيين والعمال كما رفضتها المنظمات النقابية العالمية، والتف النقابيون في تونس حول هياكلهم وقيادتهم الشرعية بقيادة الزعيم الحبيب عاشور.لقد ذاق النقابيون شتى أنوع التعذيب في مقرات الشرطة واجبروا على توقيع محاضر بحث لم يدلوا بها وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب وكلنا يعرف ما حصل للمناضل المرحوم حسين الكوكي الذي مات تحت التعذيب حسب شهادات الأطباء كشهادة الدكتور جغام .وفي سوسة تمّ اقتيادنا إلى السجن المدني هناك حيث بقينا عدّة أشهر في انتظار محاكمتنا وللعلم فقد كنت مع الأخوة المعتصمين وأسجل في هذا السياق بعض التفاصيل التي عشتها شخصيا علّي أساهم بذلك في تسليط مزيد الأضواء على تلك الفترة الحالكة، فقد تمكنت من الإفلات من قبضة البوليس وبقيت في حالة فرار طيلة شهر وبعد إيقافي تم حبسي بزنزانة منفردة على ذمة منطقة الشرطة ثم تم نقلي إلى مستشفى فرحات حشاد حيث وجدت بعض النقابيين في حالة صحية متدهورة وذلك جراء التعذيب وظروف الإيقاف أذكر من بينهم المرحوم عمر بلعجوزة والمرحوم الصادق قديسة ثم تمت إعادتنا من جديد إلى مقر الحجز ومن ثم إلى السجن المدني بسوسة حيث تعرّضت للضرب إلى حد الإغماء من طرف المدعو عز الدين بالرابح مدير السجن أنذاك لا لشيء سوى لأن الحراس عثروا عندي على صحيفة الرأي وهو الأمر الذي حصل أيضا للأخ حافظ قمعون حيث تم التنكيل به. في تلك الفترة الحالكة، كانت الصحافة الحرة محل ملاحقة، وأذكر هنا الدور النضالي الذي اضطلعت به الصحافة النزيهة الشريفة، وكانت جريدة الشعب عنوانا بارزا لشرف المهنة والنضال.أطوار محاكمتناالتأمت منذ صبيحة 19 جويلية المحكمة الجنائية بسوسة برئاسة السيد يوسف بن يوسف للنظر في قضيتنا، وقد كنا 101 في الجملة 59 بحالة سراح و 42 بحالة إيقاف وقد تمت إحالة 39 منا من اجل الجرائم التالية:- حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح والتحريض على التجمهر المسلح بالطريق العام ومسك مستودع من الأسلحة والذخيرة وجمع ومد الغير بالأسلحة وتحيير الراحة العامة طبق أحكام الفصول 118، 79، 74، 72 من القانون الجنائي والفصلين 42 و43 من قانون الصحافة والفقرة الثانية من الفصل 20 من قانون 12 جوان 1962 والفصل 21 من القانون عدد 4 المؤرخ في 14 جانفي1969 .وأحيل البقية ويبلغ عددهم 62 من اجل الانضمام إلى جمع من شأنه تحيير الراحة العامة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا وحمل أسلحة بدون رخصة طبق أحكام الفصول 119، 118، 77، 75 من المجلة الجنائية والفصلين 42 و 43 من قانون الصحافة والقانون عدد 33 المؤرخ في 12 جوان 1969 وقانون 20 جانفي1969 .وقد افتتحت الجلسة من طرف القاضي السيد يوسف بن يوسف رئيسها بكلمة تلاها على أسماع الحاضرين من المتهمين ولسان الدفاع والجمهور الذي حضر لتتبع مداولات هذه القضية في أعداد غفيرة قال فيها أن القضية المعروضة على أنظار المحكمة الجنائية بسوسة من نوع خاص غير مألوف باعتبارها موضوعها ومضمونها وباعتبار المركز الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي يحتله بعض المتهمين الذين يزيد عددهم عن المائة، لاسيما وأن هذه القضية جاءت على إثر أحداث أليمة عرفتها الدولة التونسية الفتية التي شقت طريقا شاسعا نحو المناعة والرقي والتحضر.وأضاف الرئيس يقول أن المحكمة مقرة العزم على استقصاء الأحداث بكل صبر وروية وعلى النظر في المسؤوليات بكل دقة وتثبت وعلى فتح المجال للسان الاتهام وللسان الدفاع حتى يبدي كلاهما ما يراه صالحا من وجهات نظره.وناشد رئيس المحكمة لسان الاتهام والأساتذة المحامين المكلفين بالدفاع عن المتهمين بأن يسيطروا على عواطفهم وأن يراعوا حرمة القانون ويعمدوا إلى الرفع من كلمة الحق في ظل هذا القانون وبذلك يكون التعاون موجودا بين كل الأطراف وتسهل سبل الوصول إلى إنارة الحقيقة وإقامة العدل.أما النقابيون المتهمون فكانوا:* 1- الحبيب بن عاشور كاتب عام للاتحاد الجهوي.* 2- الصادق قديسة عضو مكتب تنفيذي * 3- حافظ قمعون عضو بالمكتب التنفيذي. * 4- محمد الظفار عضو المكتب التنفيذي. * 5- علي المحضي كاتب عام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي.* 6- محمد ثابت كاتب عام مساعد لنقابة التعليم الثانوي. * 7- المنصف قمر عضو بنقابة التعليم الابتدائي. * 8- صالح المهدي شهر الأحمر كاتب عام لنقابة الفلاحة. * 9- على بن صالح كاتب عام لنقابة التعليم الابتدائي.* 10- عمر بلعجوزة كاتب عام مساعد للنقابة الأساسية لعملة نزل بوجعفر.* 11- محمد رجب عضو بالنقابة الأساسية لعملة النزل.* 12- عمر الطرابلسي كاتب عام لنقابة النزل.* 13- العجمي حفيظ كاتب عام لنقابة الباتيمان.* 14- بلقاسم بالحاج أحمد عضو بنقابة شركة صنع السيارات.* 15- الطيب بوزعبية كاتب عام مساعد لنقابة مدرسي التربية البدنية.* 16- عبد العزيز بن عائشة كاتب عام مساعد لنقابة التعليم الثانوي.* 17- عمر بن الزدام عضو بالنقابة.* 18- ابراهيم بن فرحات عضو بنقابة البناء. * 19- مصطفى الرحال عضو بالنقابة. * 20- منيرة جمال الدين عضو بنقابة التعليم الثانوي. * 21- عمر بن الحسين عضو بالنقابة الأساسية للتعليم الابتدائي.* 22- العجمي المثلوثي عضو بنقابة التعليم الثانوي. * 23- عيسى بوزميط كاتب عام لنقابة البحارة بسوسة.* 24- محسن الشاوش مسؤول بنقابة التعليم الابتدائي. * 25- أحمد بن خليفة كاتب عام مساعد لنقابة اصوطاب. * 26- عبد الفتاح شوشان كاتب عام نزل مرحبا.* 27- مصطفى الاحول عضو بالنقابة الجهوية للرياضة والشغل.* 28- عبد العزيز ضيف الله مستكتب بالاتحاد العام التونسي للشغل بسوسة . * 29- الحبيب منصور حاجب بمركز اتحاد الشغل بسوسة . * 30- يوسف سعيد مسؤول على الهاتف بمركز الاتحاد .* 31- عبد المجيد الصحراوي ملحق بمركز الاتحاد.* 32- ناجي الرمادي موظف بالاتحاد وملحق بجريدة الشعب.* 33- محمد بن حسن الكيلاني حارس بمقر الاتحاد بسوسة.* 34- الحبيب فراد مستكتب بالاتحاد بسوسة.* 35- بوراوي عطية معلم ومراسل لجريدة الشعب بسوسة.* 36- محمد الطرهوني شهر المطماطي ملحق نقابي بالاتحاد الجهوي بسوسة.* 37- عبد الحميد فرحات ممثل نقابي.* 38- الهذيلي ماني.* 39- محمد الخلادي.* 40- عبد الكريم البكوش.* 41- جلال عاشور. * 42- حسن عاشور.* 43- المختار البكوش.* 44- خميس الخميري.* 45- الجديدي الميناوي.* 46- محمد شوشان.* 47- الهادي التتجال.* 48- حسن قديسة.* 49- مصطفى بن فرحات.* 50- عبد الرزاق كحلون.* 51- المنجي بن عمر.* 52- الحبيب بن عمر.* 53- الحبيب بن محمود. * 54- سالم بن حسين.* 55- محمد الكريشي.* 56- عبد القادر القايد.* 57- فريد خميس.* 58- الصادق مرجان.* 59- بنور فرج.* 60- محمد بن عائشة.* 61- يوسف الشقراوي.* 62- حسن غرس الله.* 63- الحبيب بن عامر.* 64- بوراوي حدادة.* 65- عبد الحميد بن فضيلة.* 66- النوري نصيرة.* 67- البشير بوغطاس.* 68- الحبيب بوهلال.* 69- محسن الفرادي.* 70- جمعة بن علي قيقة.* 71- الحبيب عبيد.* 72- ناجي بالحاج عمر.* 73- محمد بالعجوزة.* 74- حسين العيادي.* 75- حسن النقاتي.* 76- لطفي بريري.* 77- حسن الكناني.* 78- حسن معط الله.* 79- حسين اللوزي.* 80- محسن سطبل.* 81- الناصر المهداوي. * 82- الهادي الطرابلسي.* 83- فتحي الزواوي.* 84- وحيد المحمدي.* 85- ميلاد السافي.* 86- عبد العزيز الورزلي.* 87- محمد بن عرفة.* 88- الناصر البنزرتي.* 89- فوزية بن محمد.* 90- نورة بلخيرية.* 91- نجوة بن وناس.* 92- عائشة هلال.* 93- رفيقة العجيمي.* 94- سالمة السهيلي.* 95- عائشة بن محمود.* 96- محمد بربري.* 97- جمال الخشتالي.* 98- حسن بن خيرية.* 99- زهير بن خيرية.* 100- عبد الرزاق بومعيزة.* 101- عبد الحميد الشاوش.واثر ذلك شرع رئيس المحكمة في تلاوة قرار دائرة الاتهام الذي اشتمل على 51 صفحة واستغرقت تلاوته بقاعة الجلسة 125 دقيقة.واثر ذلك تلا رئيس المحكمة بعض الفصول التي تقع تحت طائلتها التهم الموجهة للمتهمين وتتراوح العقوبات بين الإعدام و20 سنة أشغال شاقة و10 و 5 و3 سنوات سجنا.لقد حوكمنا طيلة شهر أوت 1978 وكانت محاكمتنا علنية حضرها العشرات من المحامين المتطوعين والذين لعبوا دورا كبيرا ومشرفا أذكر منهم العميد منصور الشفي والأساتذة الناصر بن عامر والمرحوم فاضل الغدامسي والهاشمي بللونة وراضية النصراوي وعبادة الكافي وحامد بن رمضان ورؤوف بوكر والصحبي القروي ورؤوف النجار وعبد الوهاب الباهي والدالي الجازي وجمال الدين بيدة وعبد الستار بن موسى والهادي بوفارس والبشير خنتوش وتوفيق بودربالة والأزهر القروي الشابي والدكتور جغام وغيرهم كما حضرها الصحافيون والمراقبون وقد لعبت الصحافة ومنها جريدة الصباح حيث كان يعمل الأخ محمد العروسي بن صالح والذي غطى وقائع المحكمة بأمانة كبيرة وتعرض هو وزميله عبد الحميد القصيبي إلى التهديد والملاحقة وكذلك جريدة الرأي وجريدة la démocratie دورا في إنارة الحقيقة للرأي العام أنذاك كما لا ننسى الدور الكبير الذي لعبته الصحافة العالمية والتضامن النقابي الدولي وخاصة النقابات الأوروبية والعربية والمغاربية والعالمية كالسيزل بقيادة أمينها العام أتو كريستن وقد ساهمت حملة التضامن الواسعة في الرفع من معنويات عائلاتنا كما غذت فينا روح الصمود حيث خضنا إضرابات عديدة عن الطعام لاقت تعاطف حتى المساجين العاديين بسجني سوسة وتونس العاصمة.وفي لحظات مؤثرة ويوم التصريح بالحكم في قضيتنا أعلنت فجأة هيئة المحكمة برئاسة القاضي الشيخ يوسف بن يوسف بأنها غير مؤهلة للحكم في هذه القضية وطالبت بإحالتها لمحكمة مختصة أي محكمة أمن الدولة حينها انطلقت الزغاريد والشعارات المنادية بحياة الاتحاد من طرف النقابيين الموقوفين وعائلاتهم كما أنشدنا نشيد الثورة الذي انطلق من أعماقنا وزاد من حماستنا إذ رأينا في ذلك الحكم نوعا من تبرئة ساحتنا فلم نعد كما أراد الحزب الحاكم تشويهنا بتقديمنا في صورة مجرمين ومذنبين إلى محكمة جنايات سوسة. ورغم علمنا بما كان ينتظرنا من أهوال محكمة أمن الدولة فقد أحسسنا بنوع من الإنصاف من قبل محكمة الجنايات بسوسة.في السجن المدنيوإثر الجلسة مباشرة تم تطويق المحكمة بالكامل بفيالق عديدة من قوات البوليس بتشكيلات وأزياء مختلفة واقتادونا تحت حراسة مشددة إلى السجن المدني بسوسة حيث مكثنا بضعة أشهر وتم إخلاء سبيل عدد كبير منا ولم يبق إلاّ 12 شخصا من مجموع 101 تم إحالتنا بعدها إلى سجن 9 أفريل بتونس العاصمة حيث تعرفت على الزعيم الحبيب عاشور مباشرة وأذكر أنه قال لي حرفيا : »الحمد لله لم نكن وحدنا في هذه المرة إن الشباب والرأي العام الوطني والدولي معنا خلافا لأزمة 1965 وستثبت الأيام براءتنا وسنعود قريبا إلى اتحادنا وسيحاكم المجرمون الحقيقيون يوما«.كما تعرفت على الأخوين الصادق بسباس والحسين بن قدور في السجن المدني بتونس حيث كنا نتبادل الحديث حول آخر المستجدات عندما كنا نلتقي للحظات في الممر الذي يؤدي إلى مصحة السجن وبقينا في حالة إيقاف على ذمة دائرة الاتهام وكانت التهم الموجهة إلينا على درجة كبيرة من الخطورة حيث انها تندرج ضمن الفصل 72 الذي تبلغ العقوبة فيه حد الإعدام والأشغال الشاقة مدى الحياة باعتبارها من الجنايات الخطيرة، لكن لم يتم إحالتنا إلى حدود الساعة على محكمة امن الدولة التي ألغيت فيما بعد وقد تم إطلاق سراحنا على مراحل دون محاكمة وذلك في جانفي سنة1979 .إن محاكمة نقابيي سوسة سنة 1978 أبرزت المعنويات المرتفعة التي كنا نتمتع بها وبدل أن تكون المحاكمة ذات صبغة جنائية مثلما أرادات السلطة، حولنا تلك المحاكمة إلى محاكمة لأعداء الاتحاد الذين دبروا مؤامرة لإخضاعه وضرب استقلاليته. وقد شكلت محاكمة نقابيي سوسة منعرجا كبيرا في تعامل السلطة مع القيادات النقابية المعتقلة حيث لم تساير الأحكام الصادرة النيابة العامة التي طالبت بالإعدام كما كان لموقف النقابيين خلال المحاكمة أثره البالغ على الرأي العام الوطني وعلى معنويات بقية النقابيين الموقوفين.هذه خواطر أستحضرها وأتمنى أن لا أكون قد نسيت تفاصيل مهمة وأتمنى أن يستمر توثيق هذه التجارب والمحن لإثراء الذاكرة النقابية بمحطات مشرقة ومضيئة في تاريخ النضال النقابي في بلادنا. وإن أنسى فإني لا أنسى دور المرأة النقابية كمنيرة جمال الدين المحضي وفوزية الترد وهذيلية القيسي ونورة بلخيرية وغيرهن اللاتي ساهمن في عديد النضالات وتعرضن للإيقاف والتنكيل.وأرجو أن يدلي الأحياء منا بشهاداتهم مع الترحم على كل الأخوة الذين فارقونا وخلفوا في قلوبنا اللوعة والحسرة لكن ذكراهم تبقى على مر السنين خالدة عاش الاتحاد العام التونسي للشغل قلعة نضال من أجل الحرية والكرامةعاشت الشغيلة التونسية.
jeudi 10 décembre 2009
شهادة النقابي عبد المجيد الصحراوي حول أحداث 26 جانفي 1978
لقد ولد الاتحاد العام التونسي للشغل في خضم المعركة الوطنية ضد الاستعمار، وقدّم خيرة مناضليه، وفي مقدّمتهم مؤسسه الشهيد فرحات حشاد الذي استشهد دفاعا عن استقلال البلاد وحرية شعبها ومن أجل عزّة الوطن ولا شك أن استشهاده كان دافعا لتأجيج حماسة الوطنيين لتندلع الثورة التي أدت لاستقلال البلاد وبذلك فإن الزعيم الخالد خدم القضية حيا وميتا، وخلافا لما توقعه الكثيرون ولما راهن عليه الاستعمار فإن المسيرة النضالية لهذه المنظمة العتيدة لم تتوقف بعد نيل الاستقلال مثلما حصل للكثير من المنظمات النقابية بالأقطار العربية، بل انخرط الاتحاد العام التونسي للشغل بكل ثقله الاجتماعي ورصيده التاريخي المجيد في نضال شعبنا من أجل التقدم والحرية وقدم من أجل ذلك البرامج الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
وقد واجه الاتحاد بكل حزم سياسات الاحتواء والتدجين ومحاولات فرض خيارات تنمويّة لا تلبّي طموحات الشغالين وعموم شعبنا في بناء تنمية متوازنة وعادلة، وبفضل مواقفه الجريئة وتصديه لسياسات الحكم الفردي والحزب الواحد، استطاع الاتحاد العام التونسي للشغل أن يبرز على الساحة الوطنية كقوّة اجتماعية رائدة تعكس تطلّعات سائر الفئات الشعبية في الحرية والتقدم. وسرعان ما تحوّل إلى هدف لقوى القمع والتسلّط التي حاصرته بكل الوسائل في محاولة لتدجينه وإسكات صوته المناضل.
لذلك فلقد واجه الاتحاد بعد الاستقلال سلسلة من المحن والمصاعب وتحمّل مناضلوه السجون وشتى ألوان التعذيب والملاحقة، كما خاض في الستينات والسبعينات والثمانينات العديد من المواجهات دفاعا عن استقلاليته وحقّه في تمثيل الشغالين بمنآى عن كلّ أشكال الوصاية الخارجية.
لقد كانت أزمات 65 و 78 و 85 عناوين تاريخية بارزة لهذه الملحمة التي خاضها النقابيون والشغالون من أجل الذود عن حرية العمل النقابي والدفاع عن حرمة منظمتهم والنضال من أجل تكريس حق الشغالين في التنمية العادلة وحق شعبنا في الحرية والديمقراطية.
ولقد بلغت هذه المعركة ذروتها في احداث 26 جانفي 1978 التي مثلت منعرجا تاريخيا حاسما في مسييرة منظمتنا وفتحت أمامها آفاقا أرحب لمواصلة نضالها من اجل ترسيخ حريتها وفرض كيانها المستقل وتعزيز مكانتها ودورها في النضال الاجتماعي والديمقراطي ببلادنا.
في ظل هذه المكاسب وفي ظل هذه الأرضية المستندة إلى تاريخ نضالي عريق والمرتكزة على واقع نضالي نشيط، انخرطت شخصيا في العمل النقابي وبدأته شابا في الوقت الذي عرف الاتحاد خلاله قفزة نضالية نوعية تمحورت حول تحقيق جملة من المطالب المادية والأدبية للعمال والاجتماعية وحتى السياسية لبقية الفئات أهمها مقاومة الاحتكار في القطاع الخاص ووضع حد لسوء التصرف في الأملاك العمومية والحد من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للعمال والدفاع عن كرامتهم والدفاع عن استقلالية الاتحاد ورفع الوصاية عنه من طرف الحزب الحاكم وكلها مطالب ونضالات توجت باستقالة الأخ الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب تجسيما لتوجهات تلك المرحلة ومقتضياتها.
في هذه الإطار لعب عمال الشركة التونسية لصنع السيارات «ستيا» التي كنت أنتمي إليها شانها شأن عمال عديد المؤسسات الأخرى والقطاعات كالتعليم الثانوي والأساسي والمعادن والنسيج دورا أساسيا في تفعيل العمل النقابي بالجهة وفي دفع بقية القطاعات للمساهمة في النضالات النقابية التي خاضها الاتحاد في جميع أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد لا زلت أتذكر تلك الأحداث المؤسفة التي جدّت بمدينة قصر هلال والتي انطلقت من مؤسسة SOGITEX للنسيج حيث توقف العمال للاحتجاج على سوء التصرف الحاصل بالمؤسسة الذي اكتسى بعد ذلك طابع الإضراب الشامل وردا على هذه الحركة النضالية التي كان بالإمكان معالجتها بطريقة أخرى هوجم العمال من طرف قوات النظام العام ووقعت اصطدامات عنيفة عمّت كافة المدينة ونتيجة لذلك نشأت الحركة التضامنية في عديد المؤسسات المجاورة في صيادة وبوحجر والمكنين وغيرها مما أدى إلى تدخّل الجيش واعتقال العديد من النقابيين والعمال وحصل ذلك في أوائل شهر أكتوبر 1977.
وفي نوفمبر 1977 اجتمعت الهيئة الإدارية الموسعة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وقررت الإضراب العام كامل يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديدات بالقتل الموجهة ضد الأخ الحبيب عاشور وضد عدد من النقابيين في الجهة وبالفعل شنّ العمال بهذه الجهة إضرابهم العام يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديد باغتيال الزعيم الحبيب عاشور وقد شمل إضراب 9 نوفمبر كل القطاعات وخرجت الجماهير العمالية في مسيرة كبيرة تجوب شوارع مدينة سوسة رافعين الصورة الكبرى للزعيم فرحات حشاد منددين بالإرهاب ومشددين على استقلالية الاتحاد وكرامة العمال. وقد انطلقت الواقعة بالمقهى العتيق بنزل القصر بسوسة مما خلّف ردود فعل كبيرة بإعلان عدد الإضرابات الاحتجاجية المماثلة في عديد القطاعات والجهات وقد سارعت السلط إلى تطويق الحادثة بالقبض على مطلق التهديد وإحالته على المحكمة حيث نال عبد اللّه المبروك الورداني المتهم بالتهديد بالاغتيال 4 أشهرا سجنا.
من جهة أخرى تمت العديد من الإيقافات في صفوف العمال بتهمة إحداث أضرار بالممتلكات أثناء المظاهرة التي انتهت بمحاكمة العديد منهم في 21 جوان 1978.
وفي منتصف نوفمبر 1977 انعقدت الهيئة الإدارية الوطنية وأصدرت نداء إلى السلط العليا بالبلاد وخاصة إلى رئيس الدولة آنذاك من أجل تدارك الوضع قبل فوات الأوان وقد قررت الهيئة الإدارية دعوة المجلس الوطني للانعقاد وإلى اتخاذ قرارات مصيرية إن لم تقع الاستجابة إلى نداء الاتحاد المتعلق بإخراج البلاد من الأزمة بصورة سلمية.
لكن للأسف ما من أحد استمع إلى نداء الهيئة الإدارية، بل كان أهل السلطة منشغلين بقضية أخرى يتنازعون عليها فيما بينهم وهي قضية الخلافة وتسبب الموقف من الأزمة في شرخ بين السلطة الحاكمة فانقسمت إلى نصفين وظهر ذلك للعيان يوم 23 ديسمبر 1977 حيث اعفي الطاهر بلخوجة من مهامه كوزير للداخلية وتنصيب عبد الله فرحات كبديل له واستقال ستة وزراء دفعة واحدة من حكومة الهادي نويرة مما زاد في تأزيم الوضع داخل الفريق الحكومي وسيطرة الجناح المتصلب على كل الدواليب، وإعلانه صراحة نهج العنف في التعامل مع النقابيين، وأكبر دليل على ذلك أنه في بيان خلال تقديم ميزانية الدولة لسنة 1978 كشفت الحكومة عن انتهاجها خيار التصلب والقوة أسلوبا لمعالجة الأوضاع ولا سيما الوضع الاجتماعي ثم توالت الأحداث متسارعة والأجواء متوترة وتولى محمد الصياح مدير الحزب توسيع وتطوير دور الميليشيا لتصبح قوة موازية لقوات الأمن مما تسبب في ارتفاع وتيرة العنف والملاحقات والمضايقات على المواطنين وخاصة منهم النقابيين إلى أن كان يوم 20 جانفي 1978 ذكرى تأسيس الاتحاد، حيث انعقد بقاعة الاتحاد الجهوي بسوسة اجتماع عام كبير بإشراف الأخ خير الدين الصالحي عضو المكتب التنفيذي الوطني وافتتحه الأخ الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الأخ الحبيب بن عاشور بحضور العديد من الإطارات النقابية المناضلة منهم على سبيل الذكر لا الحصر الأخوة علي بن صالح ومحسن الشاوش وعلى المحضي والمنصف قمر وحافظ قمعون ومنيرة جمال الدين ومحسن سهل والهادي عوف الذي تعرض لمحاولة قتل من طرف مليشيا الحزب الحاكم وغيرهم وقد تعرض مقر الاتحاد الجهوي في ذلك اليوم إلى هجوم عنيف من طرف عناصر الميليشيا المسلحة التابعة للحزب الحاكم آنذاك والتي أحدثت أضرارا بالمقر وبعديد المناضلين أذكر من بينهم النقابي بلقاسم بالحاج أحمد وسالم بوفريخة اللذين تعرضا لأضرار بدنية كبيرة وتتالت الهجومات المماثلة على مقرات الاتحاد بتوزر وتونس والقيروان وزغوان على مرأى ومسمع من أعوان الأمن بل بتشجيع وحماية منهم.
أمام هذه التطورات الخطيرة انعقدت الهيئة الإدارية يوم 22 جانفي 1978 بقيادة المرحوم الحبيب عاشور وقررت مبدأ الإضراب العام بكامل الجمهورية وفوضت للمكتب التنفيذي تحديد تاريخه. وإمعانا من السلط في تصلبها وردا على قرار الهيئة الإدارية تمّ الاعتداء على مقر الاتحاد الجهوي بالقيروان من طرف المليشيا بقيادة بعض المسؤولين من لجنة التنسيق الحزبي حيث حطموا كل محتوياته كما تم الاعتداء على النقابيين المتواجدين داخل المقر فوجّه المكتب التنفيذي الوطني وفدا يتركّب من الأخوة الطيب البكوش ومصطفى الغربي إلى هناك. وتبعا لتقرير الوفد اجتمع المكتب التنفيذي الوطني واتخذ قرار الإضراب العام ليوم الخميس 26 جانفي 1978.
إنّ ما حصل من اعتداءات يوم 20 جانفي بسوسة في ذكرى التأسيس أدى بنا إلى المرابطة ليلا نهارا بدار الاتحاد الجهوي لحمايتها وحماية أنفسنا من عناصر الميليشيا لأننا أصبحنا مهددين في حياتنا وأذكر أن بعض هؤلاء قصدوا منازلنا للبحث عنا وهم مدججون بالسلاح. لقد بقينا مرابطين وعددنا يزيد عن المائتين في ظروف صعبة حتى الساعة منتصف الليل من يوم الخميس 26 جانفي في مقر الاتحاد الجهوي الذي كان محاصرا من طرف قوات الأمن والجيش بآلياتهم الثقيلة ثم تمت مخاطبتنا بواسطة مضخم الصوت ومطالبتنا بالاستسلام. وقد اقتيد النقابيون رافعين أيديهم تحت السلاح إلى مقرات البوليس التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مقر الاتحاد الجهوي وكانوا يركلونهم ويضربونهم حتى وصولهم إلى تلك المخافر.
وكما يعلم الجميع، فلقد جوبه الإضراب العام بالقمع والاعتقالات وسفك الدماء باستعمال كل الوسائل وتدخل الجيش وأعلنت حالة الطوارئ. وقد خلفت هذه الأحداث عشرات القتلى ومئات الجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والمناضلين النقابيين ومن الشباب العاطل عن العمل المنتمين إلى الأحياء الشعبية المهمشة هذا وقد لعبت عناصر الميليشيا التابعة للحزب الحاكم دورا أساسيا في التخريب والنهب بغية توريط الاتحاد وإطاراته النقابية وتحميلهم مسؤولية الخراب الحاصل.في ذلك اليوم وقبل وقت قصير من إيقاف أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أصدر عدد من هؤلاء بيانا بإمضاء الأمين العام الحبيب عاشور جاء فيه توضيحات هامة عن الأحداث وعن الأعمال والتداعيات التي سبقتها وأعدت العدة لها، وقد جاء في هذا البيان بالخصوص: إنّ الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الجماهيرية الحرة إذ تكبر تعاطف كافة الجماهير الشعبية معه يعلن أنه سيواصل النضال من أجل إقرار الحريات العامة والنقابية ومن أجل احترام دستور البلاد وقوانينها والمعاهدات الدولية من اجل احترام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي قيم إنسانية يمثل الاتحاد أول درع لها. كما أنّ الاتحاد يعلن أمام الرأي العام التونسي والعالمي تمسكه بضرورة مواصلة الحوار الذي تتحمل الحكومة مسؤولية انقطاعه وضرورة إحلاله محل العنف والإرهاب حفاظا على مكاسب الشعب ووضعا لمصلحة البلاد فوق كل اعتبار. إن المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل يأسف شديد الأسف بكون رئيس الدولة لا يعرف واقع البلاد فيما يبدو إلا عن طريق وسائل الإعلام الرسمية التي لا تعطيه إلا صورة مزيفة عن واقع الشعب التونسي وحقيقة أوضاع البلاد إذ يأسف كذلك لعدم إبداء رئيس الدولة رغبته في سماع صوت الاتحاد والشغالين مقتصرا على نغمة واحدة غير مطابقة للواقع في حين أنه اتفق مع الأخ الأمين العام الحبيب عاشور على دعوته كلما عنت مشكلة هامة لمعالجتها في الإبان».ي الختام يشير البيان إلى المسؤولية الكبرى التي يتحملها رئيس الدولة أمام التاريخ ويدعوه أن يعمل على إعادة الحوار مكان العنف والإرهاب وأن يساهم في وضع الشعب التونسي على طريق التقدم والحرية والديمقراطية السياسية والاجتماعية.
علما أنه انعقد في 25 فيفري 1978 والبلاد في حالة طوارئ مؤتمر صوري وقع خلاله تنصيب قيادة موالية للسلطة السياسية وتحت إشراف الحزب الحاكم وعين التيجاني عبيد أمينا عاما للاتحاد. وتمت مقاطعة هذه الهياكل المنصبة من قبل النقابيين والعمال كما رفضتها المنظمات النقابية العالمية، والتف النقابيون في تونس حول هياكلهم وقيادتهم الشرعية بقيادة الزعيم الحبيب عاشور. د ذاق النقابيون شتى أنوع التعذيب في مقرات الشرطة واجبروا على توقيع محاضر بحث لم يدلوا بها وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب وكلنا يعرف ما حصل للمناضل المرحوم حسين الكوكي الذي مات تحت التعذيب حسب شهادات الأطباء كشهادة الدكتور جغام . وتمّ اقتيادنا إلى السجن المدني بسوسة حيث بقينا عدّة أشهر في انتظار محاكمتنا وللعلم فقد كنت مع الأخوة المعتصمين لكن تمكنت من الإفلات من قبضة البوليس وبقيت في حالة فرار طيلة شهر وبعد إيقافي تم حبسي بزنزانة منفردة على ذمة منطقة الشرطة ثم تم نقلي إلى مستشفى فرحات حشاد حيث وجدت بعض النقابيين في حالة صحية متدهورة وذلك جراء التعذيب وظروف الإيقاف أذكر من بينهم المرحوم عمر بلعجوزة والمرحوم الصادق قديسة ثم تمت إعادتنا من جديد إلى مقر الحجز ومن ثم إلى السجن المدني بسوسة حيث تعرّضت للضرب إلى حد الإغماء من طرف المدعو عز الدين بالرابح مدير السجن أنذاك لا لشيء سوى لأن الحراس عثروا عندي على صحيفة الرأي وهو الأمر الذي حصل أيضا للأخ حافظ قمعون حيث تم التنكيل به. وكردّ منّا على الادعاءات التي تعمّدت بعض وسائل الإعلام الرسمية نشرها والتي تفيد بأننا نتلقى معاملة عادية داخل السجن قمنا بتحرير مراسلة من داخل السجن بإمضاء 32 نقابيا من الموقوفين تفند ادعاءات وكالة الأنباء الرسمية بأننا نتلقى معاملة حسنة وتوضح للرأي العام حقيقة ما تعرضنا له من تعذيب وسوء معاملة داخل الزنزانات وقد قامت بنشرها جريدة الرأي أنذاك.ولم يقتصر الأمر على النقابيين الموقوفين، بل لاقت عائلاتنا شتى أنواع المضايقات والإهانات من طرف حراس السجن عند زيارتهم لنا في السجن ويتجسد ذلك في قطع الزيارات قبل نهاية وقتها وافتكاك «القفة» وقد عانوا كثيرا عندما تم نقلنا إلى السجن المدني 9 أفريل بتونس ولا ننسى الدور الكبير الذين لعبوه في الاتصال بوسائل الإعلام لإبلاغ أصواتنا وللتنسيق مع المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعديد الشخصيات الوطنية المتعاطفة مع الاتحاد العام التونسي للشغل مثل حسيب بن عمار وحمودة بن سلامة ورؤوف النجار والدالي الجازي وغيرهم
لقد حوكمنا طيلة شهر أوت 1978 وكانت محاكمتنا علنية حضرها العشرات من المحامين المتطوعين والذين لعبوا دورا كبيرا ومشرفا أذكر منهم العميد منصور الشفي والأستاذة الناصر بن عامر والمرحوم فاضل الغدامسي والهاشمي بللونة وراضية النصراوي وعبادة الكافي وحامد بن رمضان ورؤوف بوكر والصحبي القروي ورؤوف النجار وعبد الوهاب الباهي والدالي الجازي وجمال الدين بيدة وعبد الستار بن موسى والهادي بوفارس والبشير خنتوش وتوفيق بودربالة والأزهر القروي الشابي والدكتور جغام وغيرهم كما حضرها الصحافيون والمراقبون وقد لعبت الصحافة ومنها جريدة الصباح حيث كان يعمل الأخ محمد العروسي بن صالح والذي غطى وقائع المحكمة بأمانة كبيرة وتعرض هو وزميله عبد الحميد النصيبي إلى التهديد والملاحقة وكذلك جريدة الرأي وجريدة la démocratie دورا في إنارة الحقيقة للرأي العام أنذاك كما لا ننسى الدور الكبير الذي لعبته الصحافة العالمية والتضامن النقابي الدولي وخاصة النقابات الأوروبية والعربية والمغاربية والعالمية كالسيزل بقيادة أمينها العام أتو كريستن وقد ساهمت حملة التضامن الواسعة في الرفع من معنويات عائلاتنا كما غذت فينا روح الصمود حيث خضنا إضرابات عديدة عن الطعام لاقت تعاطف حتى المساجين العاديين بسجني سوسة وتونس العاصمة. وفي لحظات مؤثرة ويوم التصريح بالحكم في قضيتنا أعلنت فجأة هيئة المحكمة برئاسة القاضي الشيخ يوسف بن يوسف الجميع بأنها غير مؤهلة للحكم في هذه القضية وطالبت بإحالتها لمحكمة مختصة أي محكمة أمن الدولة حينها انطلقت الزغاريد والشعارات المنادية بحياة الاتحاد من طرف النقابيين الموقوفين وعائلاتهم كما أنشدنا نشيد الثورة الذي انطلق من أعماقنا وزاد من حماستنا. وإثر الجلسة مباشرة تم تطويق المحكمة بالكامل بفيالق عديدة من قوات البوليس بتشكيلات وأزياء مختلفة واقتادونا تحت حراسة مشددة إلى السجن المدني بسوسة حيث مكثنا بضعة أشهر وتم إخلاء سبيل عدد كبير منا ولم يبق إلاّ 12 شخصا من مجموع 101 تم إحالتنا بعدها إلى سجن 9 أفريل بتونس العاصمة حيث تعرفت على الزعيم الحبيب عاشور مباشرة وأذكر أنه قال لي حرفيا: «الحمد لله لم نكن وحدنا في هذه المرة إن الشباب والرأي العام الوطني والدولي معنا خلافا لأزمة 1965 وستثبت الأيام براءتنا وسنعود قريبا إلى اتحادنا وسيحاكم المجرمون الحقيقيون يوما». كما تعرفت على الأخوين الصادق بسباس والحسين بن قدور في السجن المدني بتونس حيث كنا نتبادل الحديث حول آخر المستجدات عندما كنا نلتقي للحظات في الممر الذي يؤدي إلى مصحة السجن وبقينا في حالة إيقاف على ذمة دائرة الاتهام وكانت التهم الموجهة إلينا على درجة كبيرة من الخطورة أهمها على ما أذكر: حمل المواطنين على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وإثارة القتل والنهب والحرق بالتراب التونسي وتكوين عصابة مفسدين وغيرها من التهم التي لا أستحضرها وهي تهم تندرج ضمن الفصل 72 الذي تبلغ العقوبة فيه إلى حد الحكم بالإعدام والأشغال الشاقة مدى الحياة باعتبارها من الجنايات الخطيرة، لكن لم يتم إحالتنا إلى حدود الساعة على محكمة امن الدولة التي ألغيت فيما بعد وقد تم إطلاق سراحنا على مراحل دون محاكمة وذلك في سنة 1979.
إن محاكمة نقابيي سوسة سنة 1978 أبرزت المعنويات المرتفعة التي كنا نتمتع بها وبدل أن تكون المحاكمة ذات صبغة جنائية مثلما أرادات السلطة، حولنا تلك المحاكمة إلى محاكمة لأعداء الاتحاد الذين دبروا مؤامرة لإخضاعه وضرب استقلاليته. وقد شكلت محاكمة نقابيي سوسة منعرجا كبيرا في تعامل السلطة مع القيادات النقابية المعتقلة حيث لم تساير الأحكام الصادرة مطالب النيابة العامة التي طالبت بالإعدام كما كان لموقف النقابيين خلال المحاكمة أثره البالغ على الرأي العام الوطني وعلى معنويات بقية النقابيين الموقوفين. لقد وقعت محاكمتنا كما هو الحال لنقابيي صفاقس وتونس العاصمة وفي عديد الجهات بتهم خطيرة تصل فصولها إلى حد الحكم بالإعدام، وقد نال المرحوم الحبيب عاشور والمرحوم عبد الرزاق غربال عشر سنوات أشغال شاقة وأحكاما أخرى تراوحت بين الثماني سنوات والخمس سنوات على بقية أعضاء القيادة وكانت الأدلة المقدمة من قبل الإدعاء والتي لم تتجاوز بعض العصي ومسدس لعبة أطفال حججا إضافية لبراءتنا من التهم الموجة إلينا. لقد انتصر الحق في هذه الأزمة وخرج الاتحاد أكثر قوة ووضوحا بعد أن تم إطلاق سراح كل النقابيين وعودة المطرودين واسترجاع القيادة الشرعية لمواقعها بالمنظمة الشغيلة عبر مؤتمر قفصة سنة 1981. غير أن الاتحاد عرف أزمة جديدة مع حلول سنة 1985 بعد أن تعرض للتدجين وضر استقلاليته ومحاولة تقسيم صفوفه، وقد تصدى النقابيون لهذه المؤامرة الجديدة وعرفنا مرة أخرى مرارة السجن والطرد والملاحقة وكان الزعيم الحبيب عاشور كعادته في مقدمة من دفع ثمن الصمود والدفاع عن الاتحاد وحريته حيث عاش ظروفا قاسية في سجنه سنة 1985 وللتاريخ أذكر أنني حوكمت مع جملة من رفاقي النقابيين منهم سليم مخلوف وبشير بوقديدة والناجي البكوش وعمار بكار لأننا احتفلنا كشرعيين بذكرى غرة ماي 1986 وقد سجنا أنذاك بسجن سوسة حيث التقينا بأخوة نقابيين من المهدية وصفاقس.
لكن وبعد التغيير الذي عرفته البلاد سنة 1987 غادر النقابيون السجون وأعيدوا إلى شغلهم لتفشل هذه المؤامرة كسابقتها على صخرة الحق والصمود النقابية. هذه خواطر أستحضرها وأتمنى أن لا أكون قد نسيت تفاصيل مهمة وأتمنى أن يستمر توثيق هذه التجارب لإثراء الذاكرة النقابية بمحطات مشرقة ومضيئة في تاريخ النضال النقابي في بلادنا. وإن كنت أنسى فإني لا أنسى دور المرأة النقابية كمنيرة جمال الدين المحضي وفوزية الترد وهذيلية القيسي ونورة بلخيرية وغيرهن اللاتي ساهمن في عديد النضالات وتعرضن للإيقاف والتنكيل. وأرجو أن يدلي الأحياء منا شهاداتهم كما اتمنى الترحم على كل الأخوة الذين فارقوا الحياة وخلفوا في قلوبنا جميعا اللوعة والحسرة لكن ذكراهم تبقى على مر السنين خالدة اذكر من بينهم الحبيب عاشور حسين الكوكي وعمر بلعجوزة وإبراهيم فرحات وعمر الصدام والهادي جمعة عبد النور ومحمد بالرجب وعمر الطرابلسي وسعيد قاقي ومحمد الزغب وحسن حمودية وعبد الرزاق غربال ومصطفى الغربي والحسين بن قدور وبلقاسم البرهومي ومحمد الكيلاني وغيرهم. وأعتذر مسبقا إن نسيت سهوا ذكر بعض الأخوة المناضلين.